لا أحد ينكر دور الإعلام في حياتنا المعاصرة، ولا خلاف على أنه سلاح ذو حدين، يمكن أن يستخدم لزرع الفضائل والقيم والخصال الحميدة، ولنشر العلم وتطويره، وللتأليف بين أبناء الأمم والأوطان، ولإلهاب خيالات المبدعين في كل المجالات، كما يمكن أن يستخدم أيضاً لترويج العهر والفسق والمجون، ولتدمير الأخلاق ونسف القيم، ولبث الضلال والخرافة والكسل والحقد والكراهية والتمزق والتشرذم، ويقلب في سبيل ذلك الحقائق ويشوّهها ويمسخها ويقزّمها ويلوّنها ويلوّثها ويفعل بها ما يشاء!
يمكننا تصنيف الإعلام بأنواعه المقروءة والمسموعة والمرئية حسب قوة تأثيره، وتأثيره له منحيان: عموديٌ وأفقي.
ونعني بالتأثير الأفقي: تأثير الإعلام على أكبر عددٍ من الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والعلمية، أما التأثير العمودي فنعني به قدرة الإعلام على تغيير قناعات الأفراد ودوافعهم وسلوكياتهم.
وبناءً على درجة التأثير صنّف أغلب العلماء الإعلامَ المرئي في قمّة هذه الأنواع، ويليه درجةً الإعلام المسموع ثم المقروء، ونرى اليوم أنَّ الإعلام الإلكتروني يستحق وقفةً متأنيةً عميقةً، لأنه استطاع أن يسحق الحدود الجغرافية، ويتخطى التعليمات السيادية لكل الدول، واستطاع بالتالي أن يعولم العالم حقاً وصدقاً، وأن يقلب العملية الإعلامية من عمليةٍ ذات اتجاهٍ واحدٍ قوامه: المرسل- المتلقي- الرسالة الإعلامية، إلى عمليةٍ ذات اتجاهين اثنين، يتمكّن فيهما المرسل والمتلقي من تبادل الأدوار وصياغة الرسالة الإعلامية عن طريق الوسيلة الإعلامية ذاتها، وهذا ما نراه واضحاً في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك واليوتيوب والتويتر وما شابهها (كالمنتديات والمدونات)، ولقد رأينا في الأشهر الماضية قدرة تلك الوسائل الإلكترونية على التحريك والتجييش والتهييج والتثوير والتنظيم واختراق السدود المنيعة، إذ تيقَّن أبناء القرن الواحد والعشرين من أنَّ مناعة الأنظمة الاستبدادية انهارت أمام قوة المدِّ الإعلاميِّ الرهيب!
وقد تحدث علماء الاجتماع بإسهابٍ عن التلفاز كواحدٍ من أهمّ وأخطر وسائل الإعلام الفعالة، واعتبروه (نافذةً سحريةً) يختلط عند بعض مشاهديها الحقيقة بالتمثيل، والواقع بالخيال!
كما تحدثوا عن نظرية (الغرس والإنماء الثقافي)، وهي نظرية تؤكد على أنَّ المرء يدرك واقعه ويتعامل معه وفقاً للصور الذهنية التي يكوِّنها (والتي يزوده التلفاز بكثيرٍ منها)، ولذلك فإنَّ من الممكن تغيير ثقافة المجتمعات وقناعات الأفراد وسلوكياتهم بواسطة هذه الوسيلة السحرية، وهنا تكمن الخطورة التي تحدثنا عنها!
هذه المقدمة تبيّن لنا الدور المهم لوسائل الإعلام في المجال القيمي، أي: مجالِ تكوين القيم الأخلاقية عند الجماهير، فهي تزرع فيهم حب الخير والعدل والتقارب والإحسان والعمل والفضيلة، وتثبّت العقيدة والإيمان في قلوبهم وعقولهم..
وهنا سؤالٌ يطرح نفسه: أين هو موقع المرأة العربية والمسلمة في الإعلام القيمي؟!
قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نقسم الإعلام القيمي إلى قسمين: القسم الأول هو الإعلام المقروء (ويشمل المجلات والجرائد والكتب والمواقع الإلكترونية)، والقسم الثاني هو الإعلام المرئي، ونعني به إعلامَ القنوات الفضائية.
من الواضح أن المرأة المسلمة الملتزمة خاضت ميادين الإعلام القيمي المقروء، وكان لها بصمات واضحة في هذا المجال، ولكنني مع ذلك أقول: إنَّ عدد النساء اللواتي تجرّأن على خوض تلك الميادين ما يزال قليلاً نسبياً، وما زلنا بحاجة إلى المزيد كمّاً ونوعاً.
ولكنَّ وضع المرأة الملتزمة في الإذاعات والقنوات الفضائية ليس مشابهاً لوضعها في الإعلام المقروء (رغم ضعفه النسبي)، ويؤسفني أن أقول: هناك ندرةٌ في ظهور المرأة المحجبة على شاشات القنوات الدينية!
الفضائيات غير الدينية (الدرامية والإخبارية والموسيقية وقنوات الطرب والأفلام وما شابه ذلك) تعجُّ بالنساء غير المحجبات، بعضهنّ يظهرن بلباسٍ محتشمٍ نسبياً، وكثيراتٌ منهنّ يظهرن في الفيديو كليب والإعلانات، وفي الأفلام والمسلسلات، وقد تحللن من جميع الضوابط الشرعية والأخلاقية، وكلما زاد تفلُّت إحداهنّ، وأتقنت عرض مفاتنها ومغرياتها، كلما كان هذا في رأيهنّ ورأي تلك القنوات علامةً على تحرر المرأة وتحضرها (!!)، يناصرها في ذلك ويشجعها عليه فريقٌ من النقّاد الذين يحسبون أنفسهم على جبهة التقدم والرقي والحداثة والمعاصرة والتحرر وما شابه ذلك من المصطلحات المعسولة التي توهم سامعها بشيءٍ من البريق الخادع، بينما هي في حقيقتها ليست إلا قناعاً زائفاً، يخفي وراءه تقرحاتٍ وتشوهاتٍ وبثوراً!
هذا سوقٌ جديدٌ من أسواق النخاسة، يباع فيه جسد المرأة اليوم، كما كان يباع في السابق، مع فارقٍ بسيطٍ يتجلى في أنَّ أسواق النخاسة اليوم تستعبد المرأة تحت شعاراتٍ براقةٍ تغريها لتنزل طائعةً راغبةً مبهورةً إلى حضيض الذل والعبودية!
ماذا نسمي استخدام القنوات الفضائية لجسد المرأة لترويج البضائع والسلع، الغالية والرخيصة.. الثمينة والقميئة؟!
كلما أراد معلنٌ أن يدعو المستهلكين إلى شراء المأكولات والمشروبات والصابون والشامبو والعطور والأحذية وشفرات الحلاقة ومعاجين الأسنان والمفروشات والستائر والسجائر والأزياء ومساحيق التجميل وعلب القمامة وحفّاضات الأطفال وسوائل فتح المجاري، وضع أمام سلعته جسداً نسوياً عارياً أو شبه عارٍٍ، وكأنه يقول للناس: اشتروا هذا واستمتعوا بهذا! فكلاهما سلعتان، وكلاهما للاستخدام!
قد يكون من المفهوم أن تسوّق المرأة للمنتوجات النسائية، ولكن ما معنى أن يستخدم جسد المرأة لترويج المنتوجات الخاصة بالرجال!!
وحتى عند ترويج المنتوجات النسائية، ألا يمكن الترويج إلا من خلال التعري والإغراء والإغواء؟!
إنَّ القنوات الفضائية الدينية مسؤولة عن تصحيح النظرة إلى المرأة، وأول الطريق يجب أن يكون بإشراك المرأة الملتزمة باللباس الإسلامي والضوابط الشرعية في برامجها: محاورةً ومعدّةً ومقدمةً للبرامج بمختلف أنواعها: الدينية والتربوية والسياسية والاقتصادية والترفيهية.
أنا أعتقد أنَّ دخول المرأة اليوم إلى ميدان وسائل الإعلام فرضُ كفايةٍ إن قام به البعض الكافي من النساء سقط الإثم عن الجميع، وإن لم يقم به العدد الكافي أثم جميع المسلمين نساء ورجالاً!
قد يستنكر البعض هذا الكلام، ولكني أقول: لقد صارت القنوات الفضائية الدينية من أهم أدوات الدعوة إلى الله تعالى، ولا يقلّ تأثيرها عن تأثير المسجد، بل ربما يفوقه من جهة الانتشار الأفقي.. وبما أنَّ تفرُّغ طائفة من المسلمين للدعوة إلى الله فرضُ كفايةٍ باتفاق الفقهاء، فإنَّ دخول طائفةٍ منهم إلى معترك الإعلام فرضُ كفايةٍ أيضاً، لأنَّ الوسائل لها حكم الغايات.
بعض العلماء المعاصرين لا يرون هذا الرأي، بل إنهم يعتبرون دخول المرأة إلى ميدان الإعلام المرئي أمراً محظوراً، لأنها حسب رأيهم فتنة للرجال، وقد أخذت بهذه الفتاوى بعض القنوات الدينية، فجعلت دخول المرأة إلى ميدانها أمراً محظوراً.
أنا أقول: إنَّ نية حماية المجتمع من التحلل والتفلت هي نيةٌ جيدة ومبرورة، لكنها لا تكفي وحدها، بل ينبغي أن تترافق مع الفهم الصحيح للدين الحنيف ومقاصده النبيلة والعميقة، فمن يريد إصلاح المجتمع المسلم وحمايته من الضلالة والانحراف، يجب عليه أن ينطلق من هدي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم لم يقمع المرأة ولم يدفنها ولم يحجر عليها، بل أوصى بها خيراً، ودفعها إلى الأمام، ورفعها وأعلى شأنها، وأفسح لها مكاناً ومكانةً لم تكن تحلم بهما، وكانت النساء في عهده يلتقين بالرجال على موائد العلم والجهاد ضمن الضوابط الشرعية في اللباس والحشمة وجدية الخطاب، فكانت الخنساء تنشد الشعر أمامه وأمام صحابته الكرام، وكانت أم سليم ونسيبة والربيّع وأم عطية الأنصارية وغيرهنّ، يشاركن في الجهاد في سبيل الله، وكانت تلك سنته عليه الصلاة والسلام في التعامل مع المراة!!
لقد كانت الفتنة بالنساء موجودةً منذ زمن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو شاء الله تعالى أن يوجب على النساء أن يختفين من عالم الرجال سداً للذريعة لأمرهنَّ بذلك! لكنَّ الله تعالى لم يأمر بذلك، بل أمرهنَّ وأمر الرجالَ بالتعاون على البر والتقوى، وأمر كليهما بغضِّ البصر، وبتطهير النفس من الهوى الفاسد، وبمراقبة الله في السر والعلن، وبعد ذلك أقول: الرجال والنساء في الإسلام مدعوون لأداء الواجب في بناء الأمة الإسلامية انطلاقاً من قول الله عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
إنَّ مشاركة المرأة المسلمة الملتزمة المحجبة في القنوات القيمية المتنوّعة، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية (كالحوار والقدس والجزيرة) أمر ضروي، بشرط الالتزام بأوامر الإسلام في اللباس والمظهر والجدية في الخطاب والمضمون، لأن لمشاركتها فوائد كثيرة، منها أنَّ المرأة أقدر على مخاطبة جماهير النساء من الرجال، فهي تدرك ما يهمُّهن، وتعرف المواضيع التي تُقلقُهنَّ وتشغل بالهنّ، وهذا يساعد في تحسين وتسريع عملية التغيير والتنمية التي تطمح إليها أمتنا عبر القنوات الفضائية خصوصاً، ووسائل الإعلام عموماً.
هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى أقول: نحن بحاجة إلى رموز وقدوات حية لفتياتنا ونسائنا!
قدواتنا العظيمات من نساء التاريخ الإسلامي مناراتٌ يضئن حياتنا، ولكنَّ قاماتهنَّ الكبيرة قد تكون بعيدة المنال في أذهان فتيات اليوم، وقد تقول بنت القرن الواحد والعشرين: هيهات هيهات! أنّى لي أن أصل إلى مرتبة السيدة خديجة أو السيدة عائشة أو السيدة فاطمة أو غيرهنّ من الصحابيات رضي الله عنهن وأرضاهن؟! فقد كنّ في عصر الرسالة، يحضرن مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمعن منه، ويعشن في مجتمع فاضل تسوده الفضيلة والعفة والالتزام.
أما عصرنا فيختلف عن عصرهنّ، فالفتن والمحن والإغراءات تحيط بنا من كل جانب، ومن تريد منّا أن تسلك طريق العفّة والالتزام والانضباط فإنها تلاقي المرّ والأمرّ!!
إذن، قد يكون في وجود قدواتٍ حيةٍ من النساء المؤمنات العالمات العاملات أملاً قريباً لهاتيك الفتيات، يبرهن لهنَّ على أنَّ السير في درب الإيمان والتألق والتفوق والعطاء ليس صعباً ولا مستحيلاً.
الساحة اليوم متروكة مع الأسف للفنانات والممثلات والمغنيات ليكنّ نجمات القنوات الفضائية، وهنَّ اللواتي يقفزن في ساحة الصور الذهنية لفتياتنا ومراهقاتنا عندما تأتي كلمة (نجمة)، وهذا تقصيرٌ خطيرٌ قد تكون له في المستقبل عقابيل لا تحمد عقباها.
بعض العلماء العاملين الذين يتصدون لخدمة المجتمع ودعوته إلى الله تعالى يرفضون ظهور المرأة المسلمة على الشاشات الفضائية رفضاً مطلقاً، ولا يرون لها أيَّ دورٍ في عملية البناء والعطاء الإعلامي، بل إنَّ بعضهم يرفض التواصل والتعاطي مع النساء، ولو كنَّ في منتهى الحشمة والالتزام!
كيف يمكن أن يبنى المجتمع عندما تقصى وتجمَّد وتهمَّش نساؤه؟!
أعرف رجلاً من الدعاة الفاضلين المشهورين، ويمكن لي أن أقول: إنَّ الطلاق بينه وبين التواصل مع النساء طلاقٌ بائنٌ بينونةً كبرى.
ذهب هذا الرجل الفاضل إلى محطةٍ تلفزيونيةٍ لإجراء لقاءٍ على الهواء مباشرةً، ولما عرف أنَّ سيدةً ستجري الحوار معه، اعتذر عن الجلوس معها في الاستوديو، وجلس في الغرفة الملاصقة، وأجرى الحوارَ معها على الهاتف!
أقول: قد يكون عذر من يعترض على ظهور المرأة في القنوات القيمية، ما نشهده في بعضها من ظهور لبعض النساء المحجبات خارج إطار الالتزام السليم باللباس والمظهر الإسلامي، تلبس إحداهنّ اللباس الضيق والمزركش والملوّن بألوان فاقعة، وتصبغ وجهها بالأزرق والأحمر والأصفر..
أنا أوافق من يعترض على ظهور المرأة بهذا الشكل غير المنضبط، لكني أقول:
إنَّ علاج هذا الخطأ لا يكون بحظر ظهور المرأة، بل بوضع الموازين والشروط الدقيقة التي ترضى عنها الشريعة الغرّاء.
عندما طلبت مني (قناة الرسالة) أن أعدَّ وأقدمَّ برامج تربوية وفقهية ووعظيةً إيمانيةً، واجهتني انتقاداتٌ كثيرةٌ رغم أني كنت أؤدي دوري في الدعوة إلى الله، وأسد ثغرة مهمة تخدم ديني وأمتي، ولم يكن لتلك الانتقادات سببٌ موضوعيٌ، وعلى ما يبدو فإن مجرد ظهور المرأة على شاشة التلفاز هو سببٌ كافٍ للانتقاد لدى الرافضين لهذا الظهور من أصله!
كنتُ أفكر في كلام أولئك المنتقدين، وأراجع نفسي مراراً وتكراراً، وأتساءل وأتردد، وأخشى أن يكون فيما أفعله مسيئاً للمجتمع فاتناً له! غير أنَّ تعليقات المشاهدين والمشاهدات جعلتني أتأكد من أنني أسير في الطريق الصحيح بإذن الله، فصوتي يصل إلى شريحةٍ من الناس لم أكن أتوقع أبداً أن يصل إليها، وهناك فنانون وفنانات يتابعن برامجي على شاشة الرسالة ويتأثرون بها، وهناك نساءٌ سافراتٌ لا يهتممن بالبرامج الدينية، استوقفهنَّ في البداية ظهوري كسيدةٍ محتشمةٍ ملتزمة، فأردن أن يسمعن ما أقول، فاستهواهنَّ ما أذكر من الروائع التي تحويها تعاليم الإسلام، وكان لذلك أثرٌ طيبٌ في حياة كثيرٍ منهنّ، الأمر الذي جعلني أكثر يقيناً بأهمية القنوات الفضائية الدينية عموماً، وأهمية ظهور المرأة الملتزمة على شاشاتها خصوصاً.
من الناس من لم يدخل المسجد في حياته ولو مرةً واحدةً لسماع علمٍ أو موعظة، ومنهم من لم يلتق بعالمٍ أو شيخ أبداً، إما لتقصيرٍ أو لعدم قناعة، فإذ بالمسجد والعالم يدخلان إلى بيته من خلال الشاشة، وإذ بساعة تجلٍّ ورحمةٍ تقلب موازين حياته، وتوصل إليه صوت الحق ورسالة الرحمن!
وقد علَّقت بعض النساء على برنامجي (فقه المرأة) قائلات: كم نحن بحاجة إلى مثل هذا البرنامج لنسمعه من سيدة مثلنا، فنحن نخجل أن نسمعه من أفواه الرجال!
وبما أننا نتحدث عن ضرورة دخول المرأة الملتزمة إلى قلب الإعلام القيمي، لا بدّ لنا من التطرق لكيفية إدخال عناصر موهوبة جديدة في سلك هذا الإعلام.
عندما نتحدث عن ندرة ظهور المرأة على شاشات القنوات الدينية، يوجه الكثيرون أصابع الاتهام إلى المرأة، فهي في رأيهم مقصرة في حق نفسها، لأنها لم تسعَ لتحتلّ مكانتها على الشاشة، وقد يكون في هذا شيء من الصواب، فالمرأة بشكل عام مقصرة في حق نفسها، لأنها لم تدرك حجم المهمات التي يجب عليها أن تقوم بها في الحياة، ولم تسلّح نفسها بالعلم والمؤهلات التكنولوجية المعاصرة،
ولم تسع لتغيير نظرة مجتمعها إليها.
ولكن، ألا ترون معي أيها الإخوة أن الرجال يشاركونها في ذلك التقصير أيضاً؟!
إذ من هو زوج هذه المرأة المقصّرة؟! ومن هم أبوها وأخوها وعمها وخالها!!
لماذا يقمعونها ويحجّمونها ويقزّمونها ولا يفسحون أمامها المجال لتأخذ دورها في ساحة معترك الحياة؟!
بل لماذا يسمحون لها أن تنأى بنفسها عن فاعلية الحياة؟ لماذا لا يشجعونها ويساعدونها ويدفعونها دفعاً نحو الأمام، كما يدفعون أبناءهم الذكور نحو ذلك؟!
الرجال شركاء النساء في التقصير، وهم سببٌ من أسباب ندرة ظهور المرأة الملتزمة على الشاشات في البرامج القيمية، وهم عائقٌ ضمن سلسلة عوائق أخرى تحول دون مشاركة المرأة في ذلك.
وأذكر من العوائق الأخرى التي تحول دون مشاركة المرأة:
أنَّ الوصول إلى المشرفين على هذه القنوات ليس أمراً سهلاً ومتيسراً لكل الناس، فهناك نساء مؤهلاتٌ، ويرغبن في الحصول على فرصةٍ للظهور الإعلامي والعطاء من خلاله، ولكنَّ تلك الفرصة ليست متاحةً لهنَّ ولو كنَّ مؤهلات!
ومن العوائق نظرة المجتمع السلبية لظهور المرأة الملتزمة على شاشة التلفاز، مما يؤثر تأثيراً سيئاً على كثيرٍ من النساء، فأغلبهنّ يؤثرن طريق السلامة، ويبتعدن عن القيل والقال.
أما العائق الأهمّ في رأيي فيتجلى في أن كثيراً منهنّ لسن مؤهّلات من الناحية العلمية لخوض غمار تجربة العمل الإعلامي.
إخوتي الكرام:
الأمة الإسلامية بحاجة إلى كمٍّ كبيرٍ من النساء المؤهلات للمشاركة في خدمة الإعلام الهادف وخاصة في القنوات الدينية، ولذا فإن علينا أن نسعى جاهدين إلى إزالة العقبات التي تقف عائقاً دون ظهورهنّ ومشاركتهنّ، وحسب رأيي هناك خطوات لا بد من تفعيلها:
1- تغيير النظرة السلبية لظهور المرأة على شاشة التلفاز، ولا يخفى الدور المهم للدعاة والعلماء (الإعلاميين وغير الإعلاميين) في تغيير تلك النظرة.
2- وضع ضوابط وشروط تضمن ظهور المرأة على شاشة التلفاز وفق ما يرتضيه الشرع.
3- العمل على تدريب وتأهيل كوادر نسائية قادرة على خوض غمار الإعلام القيمي بجميع أنواعه بكفاءة وتميز، وأقترح هنا تأسيس أكاديميات متخصّصة في هذا المجال، تكتشف المواهب وتنميها وتصقلها.
إنَّ الأمة الإسلامية لا تعاني من ضحالة المواهب، فهي أمةٌ ودودٌ ولودٌ والحمد لله، ولكنها تعاني من تغييب تلك المواهب وغرقها في أوحال العوائق التي تحول دون ظهورها وتبلورها، ويمكن تشبيهها بالكنز المدفون الذي ينتظر من يستخرجه وينفض عنه الغبار المتراكم، ثم ينظفه ويستفيد منه، وهذا ما نأمله من المؤسسين والمشرفين على القنوات القيمية الدينية.
وفقنا الله إلى ما يحبه ويرضاه، وألهمنا الرشد، وسدد خطانا، والحمد لله رب العالمين.
د. لينة الحمصي