نظم المعلومات في الإسلام .. إن الفكرة السائدة عند كل خبراء تحليل وتصميم نظم المعلومات هي أن بداية هذا العلم كانت خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت تطبيقات نظم المعلومات استخدامًا واسعًا أخذت فيه أهمية بالغة خلال الحرب المذكورة بالنسبة لنظم المعلومات العسكرية، ثم انطلقت منها إلى المجالات الأخرى فأخذت أهميتها أيضًا في نظم المعلومات الإدارية ونظم المعلومات المالية، ومن ثم بدأ علم تحليل وتصميم نظم المعلومات في الاستقلال عن علم الإدارة، ومع تطورات هذا العلم فقد بلغ، سواء مع تطور تكنولوجيا المعلومات، وبالتحديد الطفرة الهائلة في تطورات الحواسب الآلية، أو في مجال تطورات النظم نفسها، إدارية أو مالية، بلغ أهميته الكبرى وأصبح علمًا مستقلًّا تمامًا عن علم الإدارة.
البداية الحقيقية لنظم المعلومات هي بداية نزول القرآن الكريم في غار حراء عند نزول جبريل \، حيث ضم الرسول -ص- وقال له: اقرأ، ولأهمية هذه الكلمة كررها جبريل \ مرات عدة على رسول الله -ص- قبل أن يستأنف قول الآية الكريمة «اقرأ باسم ربك»، وكما هو معلوم فإن كلمة اقرأ تعني استزادة الإنسان من المعلومات، أومن مدخل آخر هي نصيحة تكوين المعلومات المرتبطة بالقرار، وترى مدرسة من مدارس نظم المعلومات أن نجاح أو فشل أي نظام معلومات يعتمد أساسًا علىمدى نجاح مرحلة جميع المعلومات المتعلقة بالموضوع تحت البحث، ومن الدروس الأولى في علم الحاسب الآلي أنك لا تتوقع إطلاقًا مخرجات دقيقة وناجحة، بينما المدخلات خاطئة وقاصرة ويعبر أساتذة الحاسب الآلي عن ذلك بعبارة شائعة تقول إن قمامة داخلة قمامة خارجة، Rabish in Rabish out فلا تعطي الحاسب الآلي بيانات خاطئة وقاصرة ثم تتوقع نتائج جيدة وإذا لم تحصل عليها تتهم الحاسب الآلي.
وفي مجال رسائل الماجستير والدكتوراه يعترض كثير من الأساتذة على طالب الرسالة إذا أخذ الموضوع مجرد نقل من الكتب والمراجع فقط، ولكن لابد له أن يقرأ عناصر الموضوع ويدرسها جيدًا قبل أن يبدأ في كتابة الرسالة، ولذلك فإن معظم الجامعات الآن تجعل لطلاب الماجستير والدكتوراه ما يسمى بالسنوات التمهيدية وفيها يدرس الطالب أولًا عامًا أو عامين في العلم الذي يحضر فيه رسالة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا نجح فيها يسمح له بالبدء في تحضير الرسالة.
وفي قصة الخضر وموسى عليهما السلام يعطينا القرآن درسًا مهمًّا في مشكلة قصور المعلومات والنتائج المتوقعة منها، فتجد أن الوقائع والأحداث التي شاهدها موسى \، كانت واضحة أمامه، ولكنه لم يكن عنده قاعدة المعلومات المتعلقة بموضوع الواقعة، لذلك كان مندهشًا من تصرفات الخضر في هذه الوقائع وأبدى احتجاجه على تصرفات الخضر \، كما جاء في سورة الكهف.
{أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا… أقتلت نفسًا زكية بغير نفس لقد جئت شيئًا نكرًا… لو شئت لاتخذت عليه أجرًا}.
وعندما ذكر الخضر لموسى عليهما السلام المعلومة الناقصة عند موسى في كل واقعة زالت الدهشة والاحتجاج عند موسى \، وعند كل من يقرأ القصة.
ومن المبادئ المهمة في القضاء الإسلامي ألا يتخذ القاضي قراره قبل أن يسمع طرفي الخصومة، وفي ذلك تقال نصيحة مهمة لمن يتولى القضاء، إذا جاءك خصم يشكو لك أن شخصًا فقأ عينه فانتظر حتى ترى الآخر فقد تكون عيناه الاثنتان مفقوءتين.
ومن العناصر الحديثة جدًّا في مجال نظم المعلومات جمع المعلومات المتعلقة بالموضوع، وهذه أيضًا وإن كان من التطبيقات الحديثة في مجال نظم المعلومات، فإنه معروف منذ مئات السنين من خلال القرآن والسنة، كما جاء في سورة البقرة عندما قال موسى لقومه {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فتشدد قوم موسى في طلب المعلومات عن هذه البقرة فشدد الله عليهم.
ومن أهم العناصر اللازمة في نظم المعلومات تحليل وتقييم المعلومات بناء على المصدر، ونجد مثالًا لذلك في القرآن الكريم {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، وتقييم المعلومة بناء على المصدر يعمل به على نطاق واسع في مجال علم الأحاديث النبوية إذ تقييم درجة الحديث (صحيح–حسن- ضعيف- موضوع) يكون بناء على المصدر، فضلًا عن الاعتبارات الأخرى المأخوذة في هذا المجال.
ولو أجرينا تجربة على عشرة آلاف كاتب من أعظم وأكبر الأدباء في العالم وطلبنا منهم سرد الوقائع التي جاءت في سورة الكهف عن الخضر وموسى عليهما السلام، لكتب كل واحد صفحات وصفحات وصفحات، ولا نجد أبدًا من يمكنه أن يقترب حتى من أسلوب القرآن الكريم في سرد هذه الوقائع.
باحث إسلامي