مستقبل أولادك .. لاشك أن حفظ القرآن حلم يراودنا، صورة ولدك وهو يكرم فائزا أولا في حفل لتكريمه لا تغيب عن طيفك، يقدمه الناس إماما وأنت معهم في صفهم تستمتع بحلاوة صوته، داعيا ربك أن يكون شفيعك بحمله للقرآن الكريم، صغيرك ذلك الشيخ الصغير السن الذي هو في أرض ربه نور يمشي بين ظلام نعيشه، وهو وإن كان صغير السن كبير المقام يقول الإمام الشافعي: «من تعلم القرآن الكريم عظمت قيمته »، واجب أن نحترمه ونقدره ونقدمه، صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم :
«أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن, فإن حملة القرآن في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله, مع أنبيائه وأصفيائه » رواه الطبراني.
وقد انطلق السلف والصحابة يعلمون أولادهم القرآن وينشؤونهم على حبه وتاوته، حتى إنه من شدة حرصهم على ارتباط أبنائهم بالقرآن وحصول البركة لأولادهم تراهم كفعل أنس بن مالك فيما رواه الطبراني «أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا لهم ،»
فضاقت المساجد بالصبيان، فاضطر الضحاك بن مزاحم معلمهم ومؤدبهم أن يطوف على حماره؛ ليشرف على مكتبه الذي بلغ عدد صبيانه ثلاثة آلاف صبي..
وفي هذا الباب بذل سلفنا الصالح ما لخصه الإمام أبو محمد عبدالله ابن أبي زيد القيرواني في رسالته المالكية الشهيرة: «وأولى ما عنى به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون، إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ، وتنبيههم على معالم الديانة، وحدود الشريعة… »
ويقول العلامة الفقيه أبو زيد القيرواني رحمه الله في تعليم الصغار، وترسيخ المعاني الفاضلة وأثرها في نفوسهم بدءا بالقرآن الكريم العظيم: «اعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين؛ ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانة، وحدود الشريعة
ليراضوا عليها، وما عليه أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم، فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الرب، وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر.. »
ويبدع الحافظ السيوطي رحمه الله: «تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال .»
ويكمل ابن خلدون الإبداع: «تعليم الوالدين للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات .»
وهنا يكتب الأستاذ محمد الصباغ: «سمعت من الأستاذ مالك بن نبي , رحمه الله أن رج جاء يسترشد ا , لتربية ابن له أو بنت وُلدت حديثا فسأله كم عمرها؟ قال: شهر، قال: فاتك القطار، وقال: كنت أظن في بادئ الأمر أني مبالغ ثم عندما نظرت وجدت أن ما قاله هو الحق , وذلك أن الولد يبكي فتعطيه أمه الثدي فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد.
وحول الآثار النفسية لحفظ القرآن الكريم أوضح الدكتور حسين زهدي الشافعي أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بجامعة القاهرة: «القرآن يصاحب من يصاحبه، وكل يوم تقرأ وتحفظ فيه تنفتح لك أسرار جديدة، وتشعر بأنه صديقك الذي يحلق بك في عالم مليء بالأسرار ليضع بين يديك منهاجا دنيويا وسيناريو أخرويا لكل إنسان خلقه الله ومن شأن ذلك أن يولد لدى الإنسان الشعور بالراحة النفسية والاسترخاء بفعل ما يفرز في الجسم من هرمونات «السيرتونين » المنشطة للخلايا العصبية والتي تنشط الموصلات العصبية وتقاوم الاكتئاب وقائمة طويلة من الأمراض المعروفة بالنفس جسمانية وهي التي تبدأ بالنفس وتنتهي بالجسد ومنها القولون العصبي وأمراض القلب والشرايين، كما أن الحفظ في الصغر يقوي الذاكرة ويمرنها على الإلمام بالعلوم ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى التفوق في كافة العلوم.
وهذه بعض الأفكار المقترحة جمعتها لك أسأل الله أن تكون عونا في تحقيق حلمك ليكون ولدك حافظا للقرآن:
> الحرص على سماع ولدك للقرآن يوميا: فيطهر به القلب وينظف به السمع، فيتم تشغيله صباحا خلال استعدادهم للذهاب إلى المدرسة، أو مساء خلال تناولهم للعشاء واستعدادهم للنوم، والقنوات الفضائية بفضل من الله ما أكثرها.
> الورد اليومي: ولو صفحة واحدة، أو بضع آيات كل بحسب عمره، ويا حبذا لو ربطنا وقت التلاوة بوقت المذاكرة، فيقرأ الطفل بعض الآيات قبل شروعه في استذكار دروسه، فينشرح صدره، ويستجلب التوفيق من المولى عزوجل.
> الحرص على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة بشكل جماعي في الأسرة، ما أروعه أن يتعلق طفلك بمجالس القرآن الكريم.
> مسابقات حول القرآن الكريم:
وتكون منوعة في شكلها مثل: في أي سورة هذه الآيات، أكمل، آيات مبدوءه بكلمات معينة، الحيوانات التي ذكرت في القرآن الكريم، كم مرة ذكر اسم أحد الأنبياء؟.. وغير ذلك من أشكال المسابقات التي تحدث حركة تجعله يفتح المصحف ويبحث.
> قصص القرآن: احك لطفلك إحداها مشوقة سهلة، بأسلوبك الجميل ومن , الممكن أن يكون في شكل أفلام كرتونية أو قصص مطبوعة للأطفال الأكبر سنا، ما تراه مناسبا جذابا.
> ورد الحفظ: أن يكون لطفلك ورد يومي لحفظ القرآن، سواء حفظ الطفل في دار تحفيظ أو مدرس خاص يأتيه البيت.
> التحفيز: أن يكون تمييز الأبناء ومكافأتهم وتحفيزهم من خلال القرآن فمثلا: فمن حفظ قدرا معينا أو سورة في منهجه الدراسي ترصد له مكافأة مالية أو هدية قيمة، روى البخاري في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنه سأل بعض الصحابة عن آية في القرآن، فلم يعرفوا الإجابة، وكان بينهم عبدالله بن عباس وهو صغير السن، فانظر إلى ابن عباس الذي ربي على الثقة بالنفس، قال ابن عباس لما وجد الكبار كلهم لا يستطيعون أن
يتكلموا: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين! انظر إلى التلطف والأدب والذكاء الشديد في العبارة، لم يقل: أنا أعلم ما لا تعلمون، فقال عمر: يا ابن أخي! قل ولا تحقر نفسك.
> أخلاق القرآن: نختار خلقا أسبوعيا: الصدق، الرفق، الأمانة، الاتقان، النظام، النظافة،.. إلخ، نتكلم عنه ونحاول التخلق بأحد مظاهر الخلق خلال الأسبوع، وبالتأكيد يكون العماد آية من القرآن تتحدث عن هذا الخلق.
> اقرأ القرآن أمامه: وهذه الفكرة تنمي عند الطفل حب التقليد فيكون ذلك بابا لجريان القرآن على لسانه.
> اجعله هدية: اهد إليه مصحفا خاصا به تجعله يشعر بخصوصية الأمر له فيحتفظ به وسط خصوصياته.
> حفلة تكريم: وكلما أنجز جزءا أو سورة حفظا تكون حفلة صغيرة يحتفل بها بالطفل نقدم له هدية بسيطة، حين أتقن حماد بن أبي حنيفة سورة الفاتحة وهب أبو حنيفة المعلم خمسمائة درهم وكان الكيس يشترى بدرهم واستكثر , المعلم هذا السخاء إذ لم يعلمه إلا
الفاتحة فقال أبو حنيفة لا تستحقر ما علمت ولدي ولو كان معنا أكثر من ذلك لدفعناه إليك تعظيما للقرآن.
> الاهتمام بمادة التربية الإسلامية: ومذاكرتها مع طفلك بطريقة محببة له بنفس الاهتمام الذي نوليه لباقي المواد الدراسية بل أكثر، مع متابعته وتشجيعه ومكافأته عليه.
> فضائل السور: من المهم تعريف طفلك بفضائل السور التى اختصتها السنة النبوية بذلك كسورة الواقعة، وسورة الدخان، وسورة الملك، وسورة البقرة، وسورة آل عمران على سبيل المثال.
أسأل الله عزوجل أن يجعل أولادنا من حملة القرآن الكريم.
محمود القلعاوي
متخصص في شؤون الأسرة والطفل – مصر