الإنترنت وسيط أساسي فالإعلام المعاصر كجناح الطائر، يسير بسرعة دائبة، بل يطير مسافات بعيدة، وحريٌّ بالعاقل أن يستفيد منه في دعوته إلى الله تعالى، وتبيانه للحق، ذلك أن هذه الوسيلة الجديدة تجاوزت حدود الجغرافيا، واختصرت الزمن، وحطمت الحواجز وتجاوزت الحدود، ومئات الملايين يستخدمون هذه التقنية الإعلامية في مختلف أنحاء العالم، ما يُعتبَر فرصة ثمينة لا بد أن تُستثمر في الدعوة إلى الله سبحانه، وقد أشارت دراسات غربية وعربية إلى أن ألوفًا من غير المسلمين اقتنعوا بالإسلام واعتنقوه، كان للإنترنت ووسائل الإعلام الفضائية الأخرى دورٌ مهمٌ في إسلامهم وقناعاتهم وتوجهاتهم.
ولعل من المفيد اللافت أنه لم تنل وسيلة من الوسائل الناقلة للمعلومات في تاريخ المدنية المعاصرة ما نالته هذه الوسائل العظمى من سرعة في الانتشار وقبول بين الناس، كما كان لها عمقٌ قوي ومؤثر في حياتهم على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم،وذلك راجعٌ كما هو باد إلى تنوع طبيعة المعلومات التي توفرها هذه الوسائل الإعلامية الجديدة، وضخامة حجمها وسهولة الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية.
أن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق، وليدخل بيوت الناس جميعًا بلا حواجز، فرصةٌ تاريخية ثمينةٌ للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام، وللحريصين على نشر كلمته، ليصلوا إلى العالم كله، ويقولوا لهم: «هذا ديننا وهذه دعوتنا وإليكم مبادئنا»، ويكونوا شهداء على الناس، ويا لها من أمانة، لو كان لها رجال!
مع تنامي الثورة الرقمية في العالم تتزايد التساؤلات حول مستقبل وسائل الإعلام بكل أنواعها في العصر الرقمي، وفي زمن تدفق المعلومات وإتاحتها عبر الفضاء، وبسبب زلزال الانترنت أصبحت الصحف اليومية تعاني من إشكالية التوزيع مقارنة بالمطبوع، وذلك لتفشي ظاهرة الانحدار في عدد قراء الصحف اليومية على مستوى العالم، وقد شهد توزيع الصحف تراجعًا بنسبة 11% منذ عام 1990، أي منذ ظهور شبكة الإنترنت بشكل واسع.
يعتبر تدني الرغبة في القراءة لدى الجيل الجديد من الشباب من الجنسين ظاهرة جعلت الكثير من دور النشر لا تعتمد على حجم مبيعات مطبوعاتها كوسيلة للبقاء، بل اتجهت إلى الدعاية والإعلان بحثًا عن الدخل.
ولقد شهد قطاع الصحافة اليومية على المستوى العالمي تحولًا كبيرًا في مجال الملكية، فتحول من الملكية الفردية إلى الشركات حيث نجد اليوم أن الكثير منها (حوالي 22 شركة) تمتلك قرابة 40% من تلك الصحف والتي تعد أكثر الصحف اليومية توزيعًا على المستوى العالمي، كذلك نجد على المستوى العالمي أن أكبر 10 شركات تمتلك 20% من تلك الصحف و51% من التوزيع.
وبسبب الصعوبات التي تواجهها الصحف اليومية شهد العالم تحولًا كبيرًا في المحتوى والطرح، حيث تحاول الصحف اليوم إجراء الكثير من التغييرات على ما تقدمه من مواد رغبة في جذب المزيد من المعلنين في الدرجة الأولى والقراء في الدرجة الثانية، كما تركز الصحف اليومية على المحليات والأخبار الحكومية أكثر من ذي قبل، كما أن طبيعة هذه الوسيلة جعلتها تعتمد على بعض الوسائل الإعلامية الأخرى الأكثر ديناميكية مثل القنوات الفضائية.
هذا ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار ما نسميه زلزال الانترنت على الرغم من عدم وضوح الرؤية من الناحية الاقتصادية لها، إلا انها دون أدنى شك أصبحت من وسائل الإعلام الهامة والتي تمثل المصدر الأساسي للكثير من الأخبار، ففي سبتمبر 2003 كان أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة الأميركية على اتصال بالانترنت.
وفي السنوات الماضية أجريت العديد من الدراسات حول الانترنت، والتي اتضح من خلالها أن نصف إلى ثلثي من يستخدمون الانترنت يبحثون عن الأخبار، يضاف إلى ذلك أن الفئات العمرية لمن يستخدمون الانترنت هم من الشباب، أي انها تشكل جذبًا للفئات العمرية من 18 الى 34، وأوضحت الدراسات على تلك الفئات أن 55 % من الشباب يتصلون بالإنترنت بحثًا عن الأخبار من مصادرها.
وبعيدًا عن الجوانب الأخلاقية والمصداقية المصاحبة للكثير من الأخبار التي مصدرها مواقع الانترنت، فإنها تشكل تهديدا كبيرا للصحافة وبقية وسائل الإعلام، ولعل الدراسات التي أجريت على أفضل المواقع والتي اتضح أنها مواقع إخبارية تؤكد أهمية الانترنت كوسيلة إعلامية إخبارية.
ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبح الإنترنت مهما للكثير منا كمصدر إخباري، وكان ذلك على حساب التليفزيون التقليدي والصحافة المقروءة، فاحتل الإنترنت المرتبة الأولى على مستوى العالم كمصدر إخباري ثم القنوات الفضائية ثم الصحف اليومية، وجاء هذا نتيجة دراسة مسحية أجرتها شركة Pew Project.
ولكن يعاب على الإنترنت كمصدر أخبار ضعف المحتوى وعدم التأصيل، فالكثير من الأخبار لا تزال تستقى من مصادرها القديمة مثل وكالات الأنباء وشبكات الأخبار وغير ذلك، وتشير الدراسات التي أجريت على شبكة الانترنت إلى أن قرابة 78% من الأخبار مصدرها قديم و32% فقط تحمل الأصالة مصدرها نفس المواقع الإخبارية، كذلك التحديث حيث نرى أن أحد عيوب الخبر عبر الانترنت عدم القدرة على التحديث المستمر والمتابعة للخبر مقارنة بما يحدث في وكالات الأنباء والشبكات الإخبارية، حيث اتضح من خلال الدراسات على موضوع التحديث ان ما نسبته 14% فقط من الأخبار يتم تحديثه بينما الجزء الأكبر لا تطاله عمليات التحديث.
كما أن ضعف البنى التحتية للاتصالات في الكثير من الدول يجعل الاستفادة من الأخبار المصورة محدودًا جدًّا ويحصرها في الأخبار النصية، كذلك ارتفاع تكلفة استخدام الانترنت في الدول الفقيرة يجعل عدد المستفيدين منه محدودًا.
نعم هناك الكثير من الميزات التي يوفرها الانترنت كوسيلة إعلامية جديدة، مثل التفاعل وإمكانية التعليق على الأخبار، ولكن لا يزال الوقت مبكرًا لكي نطلق الأحكام بحقها، ولكن ما يمكن قوله الآن هو أن الانترنت جعل وسائل الإعلام الأخرى تحسب له ألف حساب وتهتم بموضوع جودة الخبر والتواصل المستمر مع المستفيدين كعوامل لم تكن في يوم من الأيام في بال القائمين على وسائل الإعلام المختلفة.
هذا الاتجاه المتنامي في الإعلام العام ووسائطه للتعامل مع شبكة الإنترنت كوسيط أساسي معاصر للنشر الإعلامي يعتبر ظاهرة إيجابية خاصة إذا علمنا أن عدد مستخدمي الـ «ويب» يزيد على بليوني شخص، وقد أصبح إنشاء مواقع إلكترونية للصحف المطبوعة ممارسة سائدة، إضافة الى ظهور صحف إلكترونية ليس لها أصل ورقي، ومواقع إخبارية متخصّصة وغيرها.
وفي سياق مماثل، تفرد المؤسسات الإعلامية التقليدية الإذاعية والتليفزيونية مساحات لها على الإنترنت تتيح لمستخدمي الشبكة العنكبوتية متابعة البث المباشر لقنواتها، فضلًا عن مواقع إعلامية تقدّم خدمات متنوعة.
وفي مقابل ذلك أتاح الإنترنت الفرصة للمواطن العادي كي يعبّر عن رأيه، ما جعله صحافيًا وناشرًا وأحيانًا مخرج أفلام، مثل حال الملايين التي تضع أشرطة مرئية- مسموعة على موقع «يوتيوب»، ويشار إلى ذلك بمصطلح «صحافة المواطن» Citizen Journalism، وراهنا، يشهد الإنترنت رواجًا ضخمًا لمواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» الذي تجاوز عدد مستخدميه 400 مليون، إضافة إلى المواقع الاجتماعية المرتكزة على تقنيات المحاكاة الافتراضية مثل «سكند لايف» Second Life.
هذا التحوّل المعلوماتي أكثر من الإعلام الجماهيري Mass Media والذي بات سائدًا فيه الحديث عن انخفاض أرقام توزيع الصحف خاصة في غرب أوروبا وأميركا شغل أعمال «الملتقى العربي الأول للصحافة الالكترونية»، الذي استضافته القاهرة أخيرًا، وناقش الملتقى هذه القضايا تحت عنوان عريض هو «مستقبل وسائل الإعلام في العصر الرقمي»، ونُظّم الملتقى بالتعاون بين «المنظمة العربية للتنمية الإدارية» في القاهرة، ودار «أخبار اليوم»، ودار «النهضة العربية» في بيروت، وشارك فيه باحثون وأكاديميون من 11 دولة عربية، هي لبنان ومصر والأردن والعراق والكويت والسعودية وليبيا والمغرب وسلطنة عمان والسودان والبحرين.
حيث أكد الباحثون أن: «الصحافة الرقمية هي المستقبل لتميّزها بأنها تحافظ على البيئة عبر عدم استخدامها خامات ومعدّات قد تسهم في زيادة التلوث البيئي»، ولعل البعض يتذكّر النقاش المرير عن مسألة النفايات الإلكترونية electronic wastes، التي باتت مصدرًا مؤرقًا لنمط من التلوّث يضرب البيئة والبشر سوية.
المحرر
مترجم بالتليفزيون المصري