معنى الذكاء الاصطناعي: هي تقنية جديدة باتت تمثل تهديدا قويا للبشر في سوق العمل لاسيما بعد أن اتجهت العديد من كبرى الشركات الاستثمارية إلى التوسع في الاعتماد على الذكاء الآلي في العديد من الوظائف العامة والتي تحتاج إلى أوقات طويلة يعجز البشر عن المواصلة فيها لساعات طوال، ما دفع الكثير من الشركات المؤسسات الكبرى في العالم لإحلال «العمالة الآلية » محل البشر من أجل مواكبة تغيرات العصر السريع وإنجاز ما كان يجري في شهور طويلة في وقت قصير جدا وبأكثر كفاءة عن البشر.
نعم.. لقد أصبح ما كان خيالا في الماضي القريب واقعا، خصوصا مع القفزات المتوالية لبرمجيات الذكاء الاصطناعي، ما دفع العديد من الدراسات تتحدث عن مستقبل التوظيف، وما هو الخيار أمام الشركات: هل تقوم بتوظيف بشر أم آلات؟ وأيهما أفضل؟ وماذا سيحدث في الهرم الاجتماعي إذن؟ وهل ستحل الروبوتات محل بعض العمالة التي
يراها أصحاب الأعمال أقل كفاءة وأعلى تكلفة؟
في دراسة تعود لعام 2013 م أجراها كارل بينديكت، عالم البيانات المختص بدراسة أثر التكنولوجيا على مستقبل الوظائف في جامعة أوكسفورد، يطرح الباحث آثار إحال الروبوتات محل البشر على نتائج سوق العمل الأمريكية، إلى جانب تحليل عدد الوظائف المعرضة للخطر. وتوصلت الدراسة إلى أن هناك احتمالية لتحل الروبوتات في قرابة 702 مهنة بسوق العمل الأميركية. وأشارت التوقعات أن حوالي 47 % من إجمالي العمالة في الولايات المتحدة معرضة للخطر، جراء تنامي إحلال الروبوتات محل البشر في الوظائف، مما يؤدي إلى انتشار البطالة وتحول العمالة البشرية إلى مجرد عبء كبير على الدول، وبالتالي تصبح خطرا على اقتصادها وعلى الخدمات التي تقدمها؛ لذلك كان لابد من معرفة مدى تأثير هذه الروبوتات على العمالة ومدى قدرتها على التطور وإحلالها مكان البشر ومحاولة تقليل تأثيرها من نشر البطالة بين القادرين على العمل، ويلفظهم سوق العمل من خلال ابتكار وظائف جديدة تمكن البشر من أن تعيش بجانب الروبوتات، بل تؤثر في الروبوتات وتجعلها في حاجة دائمة لهم.
ونعرض فيما يلي نموذجين من استثمار الشركات الكبرى في روبوتات الذكاء الاصطناعي:
أولا: روبوتات فيسبوك:
بدأت فيسبوك الاستثمار فعليا في مجال الذكاء الاصطناعي منذ خمس سنوات تقريبا، عقب تأسيس مركز أبحاث فيسبوك للذكاء الاصطناعي Fair في ديسمبر 2013 م. وتستخدم فيسبوك تقنيات الذكاء الاصطناعي
في تطوير موقع التواصل الاجتماعي الأشهر عالميا، حيث بدأت فعليا في الاعتماد كليا على روبوتات الذكاء الاصطناعي في خدمة الترجمة، إلى جانب استخدامها في تحديد المستخدمين أو المجموعات التي تحاول
الانخراط في تجنيد الإرهابيين.
لكن في 21 يوليو الماضي، نشر موقع «ديجيتال جورنال » تقريرا يتحدث عن قيام باحثين في «فيسبوك » بإيقاف روبوتات الذكاء الاصطناعي بعد أن طورت لغة خاصة للتحدث فيما بينها أثناء تجارب معملية. وإن كان مسؤولون
في «فيسبوك » قد نفوا لاحقا أن يكون هذا الأمر يمثل أزمة حقيقية، مبينين أن إنهاء عمل الروبوتات هو إجراء روتيني في مثل تلك التجربة، ولا ينبع عن الشعور بالخطر كما صورت التقارير الصحفية التي تناولت الموضوع.
ثانيا: دمج الدماغ البشري مع الحاسوب
وعلى الرغم من الجدل المتصاعد بسبب الذكاء الاصطناعي وتبادل الاتهامات بن «إلون مسك » المدير التنفيذي لشركة «تسا موتورز » للسيارات الكهربائية و «مارك زوكربيرج » مؤسس «فيسبوك » بشأن الذكاء الاصطناعي وإحال العمالة الآلية محل البشر كخطوة على طريق التقدم، علاوة على عدم تواني «مسك » عن التحذير من خطورة روبوتات الذكاء الاصطناعي على البشرية؛ إلا أن كليهما يستثمران في مجال بحوث الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، حيث كانت آخر انطلاقات «مسك » في مجال بحوث تطوير الذكاء الاصطناعي، هو إعانه عن شركة «نيورا لينك »NeuraLink« » التي تعمل من أجل دمج الدماغ البشري مع أجهزة الحاسوب، ما جعل البعض يرى تصريحاته المناهضة لآراء «زوكربيرج » حول إحلال روبوتات الذكاء الاصطناعي محل البشر بمثابة منافسة تجارية شرسة وترويج للعلامات التجارية التي يملكها «مسك »، وهو ما عكسته أعمال «كاتسو » فنان الجرافيتي في شوارع سان فرانسيسكو الأمريكية، عبر معرض حمل عنوان «مجرمو الذكاء الاصطناعي .»
مخاوف مستقبلية
إن النجاح الذي تحقق في مجال الذكاء الاصطناعي يدفعنا إلى الخوف منه وتجنب مخاطره على المدى الطويل ومعرفة الآثار المترتبة على التطور السريع له. وترتفع وتيرة هذه المخاوف من زيادة الاستثمارات في مجال بحوث الذكاء الفائق وهو ما يتفق مع الطرح الذي قدمه نك بوستروم، أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد، والمهتم بدراسة مخاطر الذكاء الفائق Super Intelligence risks –
– في كلمة ألقاها في مؤتمر «تيد توك »، في محاولة للإجابة عن سؤال؛ ماذا سيحدث عندما تصبح أجهزة الكمبيوتر أكثر ذكاءا منا؟
قال بوستروم إن محاولات جعل روبوتات الذكاء الاصطناعي فائقة الذكاء تجري على قدم وساق؛ إذ تشير البحوث التقنية أنه في غضون هذا القرن يمكن أن تكون روبوتات الذكاء الاصطناعي في مستوى ذكاء البشر، وربما تتجاوزه وتتفوق عليه.
ويضيف بوستروم أن الذكاء الآلي ربما يكون آخر الاختراعات التي تحتاجها البشرية، «لذا ربما علينا التمهل والتفكير في عالم الذكاء الفائق الذي نبنيه الآن ». وأبدى بوستروم مخاوفه من احتمالية انقلاب «آلاتنا الذكية على
قيمنا الإنسانية » وأن تكون لتلك الآلات قيمها الخاصة بها.
الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العالمي
إن تأثير الذكاء الاصطناعي على العمال على المدى الطويل سيكون خطيرا حيث ستخفض أجورهم وسيفقدون وظائفهم تدريجيا بسبب الاستعانة بالروبوتات نظرا للاستغناء عن العمال في جزء كبير من المهام التي كانوا يؤدونها.
إن الروبوت يقوم بالعمل طوال الوقت وليس لديه إجازات أو أي ظروف طارئة أو خاصة، ولديه ضمان أن يعمل لفترة طويلة دون الحصول على أي عطلة، فأيهما ستختار؛ العامل أم الروبوت؟
بالطبع إن كنت صاحب عمل ستختار الأقل كلفة والأكثر ربحية وإنتاجية وهو الروبوت.. لكن ما تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي؟
– انخفاض مستوى الطلب على السلع والخدمات بسبب انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين بسبب فقدانهم لوظائفهم أو تقليل أجورهم، مما يستتبع انخفاض في معدلات النمو وبالتالي حدوث ركود للاقتصاد، نتيجة لابتكار برامج وأنظمة فائقة الذكاء تستطيع القيام بنفس مهام البشر بدقة وكفاءة.
– زيادة العجز في الموازنة العامة بسبب زيادة النفقات التي تنفقها الحكومة على العاطلين في الدول التي تقدم دعما للعاطلين عن العمل 2.
حلول
مما سبق يتضح لنا أنه لامحالة عن استغناء الشركات والمؤسسات عن عدد كبير من العمال ليحل محلهم الروبوتات؛ لذا كان لابد من استحداث بعض الوظائف الجديدة التي توفر وظائف للعنصر البشري في عصر الروبوتات، ومن هذه الوظائف:
محقق البيانات: تقوم هذه المهنة على تحليل البيانات الواردة من أجهزة الإنترنت والشبكات وما إلى ذلك، بهدف توفير الأفكار القائمة على البيانات للأعمال والشركات، حيث تنفق الشركات الوقت والمال من أجل بيع وتسويق منتجاتها بناء على رغبات المشترين، ويمكن لهذه المهنة الذهاب لأبعد من ذلك مستقبلا من خال القيام بفرز البيانات الخاصة بشخص اعتمادا على خدمات أمازون أليكسا أو جهاز Nest من أجل توفير خدمات أفضل لهم.
صانع رحلات «الواقع المعزز»:
يظهر مستقبلا العديد من المهن الجديدة، مثل صناع رحات «الواقع المعزز » وهو تقنية تفاعلية تشاركية تستخدم الأجهزة السلكية واللاسلكية لإضافة بيانات رقمية للواقع الحقيقي بأشكال متعددة الأبعاد، وسوف يكون صناع رحلات «الواقع المعزز » بمثابة الرواد من حيث التجربة الاقتصادية، وينبغي على صانع هذه الرحلات خلق الجيل القادم من تجارب الترفيه، بحيث يكون صانع هذه الرحلات مسؤول عن تصميم وبناء تجارب «الواقع المعزز » وتوفير رحلات للعملاء في الوقت الفعلي من خلال الواقع المعزز .
مدير تطوير أعمال الذكاء الاصطناعي:
تتوفر هذه الوظيفة ضمن شركات خدمات الحوسبة الافتراضية المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبحسب ما أشارت إليه شركة «كوجنيزانت Cognizant » ضمن الوصف الوظيفي لهذه المهنة فإنه «مازال هناك شيء واحد لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام به، ولن يكون قادرا على القيام به مستقبلا وهو التسويق لنفسه وبيعها » مما يفرض وجود مثل هذا الشخص المسؤول عن المبيعات الأساسية لخدمات الحاسب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
وسيط البيانات الشخصية:
يتجه الناس مستقبلا إلى كسب المال من خلال البيانات الشخصية التي يقومون بجمعها، ولن يكون هناك حاجة إلى قيام فيسبوك ببيع بيانات شخص ما إلى أمازون، بل يمكن لكل شخص بيع البيانات التي يملكها وتحقيق الربح.
وتقوم مهنة وسيط البيانات الشخصية بمراقبة وتداول البيانات الشخصية للعميل ضمن منصات وعمليات تبادل البيانات التي تم إنشاؤها حديثا لضمان حصولهم على الإيرادات المستحقة.
مراقب الطريق السريع: قامت المركبات ذاتية التحكم والروبوتات والطائرات من دون طيار المستخدمة لتسليم الشحنات؛ بتغيير الطريقة التي كان يجري من خالها تنظيم الطرق والمساحات الجوية بشكل جوهري،
وسوف تزداد الحاجة مستقبلا إلى مراقب للطريق السريع لتوجيه وإدارة الطريق البري والمجال الجوي للتأكد من أن العملية تسير بشكل فعال وآمن.
مسؤول الصحة المالية:
قد يختفي مستقبلا الدولار الفعلي وتزداد الخدمات المصرفية الرقمية والعملات الافتراضية المشفرة مثل «بتكوين »، ما يعني إمكانية تسرب المال وضياعه، ويستدعي انتشار هذه الظاهرة في كل مكان وجود وظيفة جديدة هي مسؤول الصحة المالية، الذي يساعد الأشخاص على تتبع جميع المعامات الرقمية والاستفادة القصوى من الأموال عبر منصات مالية ثورية تعمل كأساس للخدمات المالية.
مدير الفريق:
بعد انضمام روبوتات الذكاء الاصطناعي إلى العمل ستحتاج الشركات مستقبلا إلى تنسيق التعاون بن الروبوتات والبشر، وذلك عبر وظيفة «مدير الفريق » الذي سيصبح مسؤولا عن معرفة نقاط القوة الخاصة بالروبوتات ومثيلتها الخاصة بالعنصر البشري، والدمج بينهما لرفع إنتاجية فريق العمل3.
———–
الهوامش
-1 الذكاء الاصطناعي.. عهد جديد من
البطالة، معتز صبري، 23 / 8/ 2017 م، موقع
«المنصة .»
-2 اقتصاديات الذكاء الاصطناعي.. مصطلح
اقتصادي ربما تسمعه لأول مرة!، أشرف
إبراهيم، 18 / 8/ 2015 م، موقع «ساسة
بوست .»
-3 تحت الضوء.. 20 مهنة جديدة
توفرها الروبوتات مستقبلا، أحمد عنتر،
2017/11/20 م، موقع «البوابة العربية لأخبار
التقنية .»
—-
محمد حسن دنيا
كاتب مصري